حرب الاستقطاب
- محمد حسن أطرش
- 25 يوليو
- 2 دقيقة قراءة

منذ تباشير الاستقلال الأول، ابتلينا نحن السوريون بقطبين متنافرين متعاكسين يريد كل واحد منهما أن يحتكر الماضي والحاضر والشجر والبشر والحجر لنفسه له وحده، ويلغي كل ما عداه بل ويسحقه سحقاً بكل الطرق المادية والمعنوية الممكنة.
قطب يرى أن الله تعالى لم يهد سواه ولا يرضى إلا عنه! يعتبرون أنفسهم وكلاء الله على الأرض، ويعتمدون على اللهفة الفطرية لدى الناس إزاء الدين والمشاعر الدينية لتعبئة صفوفهم وتقوية سردياتهم، ويعتبرون كل مخالف لهم مارقاً من الدين خائناً للجماعة منحلاً من كل القيم والأخلاق.
وقطب معاكس تماماً للقطب الأول، يحتقر الدين وكل ماله علاقة بالفكر الديني، ويسفّه مشاعر شعوبنا إزاء الدين، وهم مستعدون لإحراق الأخضر واليابس لنزع تلك الشعوب عن دينها وتراثها، ناهيك عن تأطير كل المتدينين ضمن القالب الجاهز المعلب للإرهاب والتخلف والرجعية كما يزعمون.
الانسان المستعد لمراجعة نفسه وفكره وتاريخه، والمتقبل لمبدأ (تصفير العداد) بكل شجاعة ومسؤولية ليعيد حساباته مع كل الأدلجة والاستقطاب الذي يحياه إزاء هذين التيارين، سيجد بكل سهولة بأن كلاهما على خطأ، وأن كلاهما كاذب ومدلس ومنافق، وأن كلاهما لا يعبأ بالإنسان ولا بالحياة ولا بالتقدم ولا بالنهضة ولا بالحرية!
أتباع كل من الطرفين لا يستطيعون اليوم – واليوم بالذات – أن يستوعبوا بأن هناك تياراً ثالثاً لا يرضى عن كل منهما، وأن الحياة ليست مجرد أبيض أو أسود فقط، وأن التاريخ والسياسة ونهضة الشعوب لا تمضي إلا بتقبل الآخر وفهمه والتعايش معه ... لا يفهمون إلى اليوم بأنني يمكن أن أخالفك في الرأي، ولكن هذا لا يعني أن أكرهك، ولا يعني بالتالي أن ألغيك وأحلّ دمك وأسفّه رأيك وأحتقر كل ماله علاقة بك بما فيه روحك ذاتها!!
اليوم، يعيش العقل السوري في حرب استقطاب شرس بين شبيحة الطرفين وكبار كهنة كل منهما! كل واحد منهما يعتبر نفسه بأن الحق معه فقط، وأن كل ما عداه باطل، وللأسف، تسوق مع كل منهما قطعان ساذجة لأناس ارتضوا بأن يبيعوا عقولهم بسعر بخس، وأن يعطلوا الفهم الذي منحنا إياه رب العالمين لكي نشغله، ونرى الأمور دائماً من كل الجوانب، لا من جانب واحد فقط.
لم يكن سقوط نظام الأسد بداية لهذه الحرب الشرسة، بل كان استطراداً لصراع قديم له جذور ورواسب متأصلة في مجتمعاتنا العربية عموماً ... إلا أن سقوط الأسد فتح باباً عريضاً جداً لاستعار هذه الحرب على أشدها، وللأسف ... قسمت هذه الحرب السوريين وصنعت شرخاً فكرياً واجتماعياً هائلاً فيما بينهم جميعاً.
لقد بات من الواضح بأن نفسية الانسان السوري هي الأولى – وقبل كل شيء – بإعادة الإعمار والاستثمار! هناك مجهود جبار ينتظر من يقوم به بكل إخلاص وأمانة ومعرفة علمية لترميم فكر السوريين، وترسيخ فقه الاختلاف فيما بينهم، وتدريبهم جدياً على تقبل الآخر، والحوار، والتعايش في شتى المجالات والميادين. هذا وإلا لن تقوم قائمة لهذا البلد إلى يوم الدين!
فمتى تنتهي حرب الاستقطاب هذه؟
تعليقات