عائد إلى حلب!
- محمد حسن أطرش
- 14 ديسمبر 2024
- 3 دقيقة قراءة

مرحباً ...
اسمي هو محمد الأطرش، حلبيّ قحّ من حيّ المشارقة المعروف في قلب مدينة حلب.
أحب مدينتي حلب إلى حد الجنون بالرغم من كل عيوبها! قبل الثورة، لم أترك حلب أكثر من أسبوع واحد على الأكثر، وعندما كنت أعود إليها عبر مدخلها الغربي، كنت أشعر وكأن روحي قد ردت إليّ ... صدقاً، وبلا أية مبالغة أو تصنع أو تنطع!
في حلب، عشت كل قصص فشلي وخيباتي الكارثية على كل المستويات ... عائلياً ودراسياً ومهنياً وعاطفياً! وهناك شوارع وأزقة في بعض أحياءها لو نطقتْ لشهدت على وقع خطواتي الحائرة التائهة وأنا أرسم خطط المستقبل وأتفكر في طرق الصراع مع الحياة وأواسي نفسي بلا هوادة عقب كل مصيبة تحل بي!
عندما قامت الثورة السورية في ربيع 2011، كنت في الخامسة والعشرين من عمري تقريباً، كنت على وشك إنهاء دراستي – المتعثرة جداً – في كلية الحقوق، وكنت أعمل في شركة كبرى بمنصب جيد وراتب جيد بمقاييس ذاك الوقت، كما كنت أعيش قصة حب أيضاً (هي الأخيرة، لأن صاحبتها تقرأ هذه السطور الآن بينما نحن نرشف قهوة الصباح أو المساء).
بالرغم من أن المناخ العام في حلب كان بغالبيته متشككاً في الثورة (في بداياتها الأولى على الأقل) إلا أنني وجدت نفسي انجرف مع الثورة بكل كياني ... لا عن طيش أو نزق أو حتى حقد، وإنما لأنني – وأزعم ذلك بقوة – انسان قرأ في حياته كثيراً، وعرف عن تاريخ بلاده القريب والبعيد مالم يعرفه الكثيرون آنذاك ... فعرفت، وأيقنت، بان سوريا تستحق ما هو أفضل بكثير من حكم آل الأسد لها.
بالطبع، لا أدّعي أنني كنت من وجوه الثورة وروادها المعروفين في حلب، إلا أنني شاركت في نشاطات الثورة بأقصى ما أستطيع وبحسب ما كانت ظروفي تسمح به آنذاك ومنذ شهورها الأولى أيضاً، ويعلم الله ما تعرضت له من مضايقات وتهديدات على كل الأصعدة بسبب موقفي المؤيد للثورة، والذي بدأ يصبح واضحاً لدى كل من هم حولي، ونجوت من الاعتقال مراراً، رغم أنني كنت أنتظره عند كل منعطف وفي كل ليلة عندما أضع رأسي على الوسادة.
كلامي هذا ليس للبرهنة على ثوريتي أو وطنيتي أو للمزايدة على أي أحد ... فكل من يعرفون محمد يعرفون كيف كان موقفه وكيف كانت تصرفاته ويعرفون ما تعرض له لأجل موقفه الثوري الواضح. تلك المواقف التي كنت أكتبها علانية على حسابات منصات التواصل بإسمي وصورتي الحقيقيين دون أن أخشى أحداً ومنذ أيام الثورة الأولى، وهو الأمر الذي اعتبره الكثيرون آنذاك طيشاً وحماقة.
خسرت في الثورة أحباباً ورفاقاً كثر، وخسرت مكتبتي العزيزة الضخمة التي كانت أغلى ما أملك (وربما كل ما أملك) عندما استولى نظام الأسد على المنزل الذي كنت مقيماً فيه بصورة مؤقتة في أحد أحياء حلب، وحرمت رؤية أمي وأبي واخواتي منذ ربيع عام 2013 عندما تركت مناطق سيطرة النظام وانتقلت لأقيم في المناطق المحررة، ثم خسرت حلب كلها عندما اضطررت لتركها بعد عام تقريباً لظروف قاهرة أجبرتني على النزوح إلى تركيا.
إحدى عشر عاماً قد مر دون ان اجتمع بأهلي، وعشر سنوات مرت دون أن أطأ ثرى حلب أو أتنفس هواءها! خلال هذه السنوات العشر لم أتوقف لحظة عن العمل لأجل حرية وطني، ولم أتوقف لحظة عن الايمان بثورة السوريين وحتمية انتصارهم! عملت بما قدرت عليه إعلامياً وخدمياً لأجل الثورة السورية من خلال عدة مؤسسات وعدة منصات، وحتى عام ونصف مضى كنت لا أزال أدافع عن الثورة السورية وأؤمن بحتمية انتصارها (وقناة كما تحبها تشهد على ذلك) في وقت بدأ فيه معظم أنصارها باليأس والتسليم بموتها واندثارها، ولا ألومهم على ذلك أبداً.
لم يتوقع أحد أبداً أن تقوم الثورة كالفينيق الجبار من تحت أطنان الرماد والخذلان واليأس لتقلب الطاولة كلها فوق الرؤوس! وأصدقكم القول أنني لازلت إلى اليوم أعيش حالة من عدم التصديق وكأنني في حلم جميل سأستفيق منه سراعاً لأعاود اجترار الخيبة من جديد، ولكن لا ... يبدو أننا نعيش الحلم حقاً هذه المرة.
اليوم – وأنا أعد العدة للعودة إلى جميلتي حلب – لا أعير اهتماماً كبيراً لضجيج السياسة وصخب المطالب وزحام الأحداث الذي رافق سقوط النظام المجرم وانتصار إرادة السوريين، وبالرغم من أن كلاماً كثيراً يصطرع في تلافيف دماغي ويجاهد ليخرج إما كتابة أو حديثاً، إلا أنني أجاهد نفسي وبقوة لكيلا أرى إلا الأفق، ذلك الأفق الجميل المزهر الوضاء الذي أكاد أقسم أنه ينتظر سوريا، سوريا التي ستتحول في الأيام القليلة القادمة إلى ورشة عمل ضخمة على كل المستويات بلا هوادة.
لا مستحيل بعد اليوم، ولا خوف من أي شيء بعد اليوم! هدفي ودوري الآن بعد انتصار الثورة وبدء معركة البناء والنهضة هو (الانسان)! بناء فكر الانسان، ووعيه، وتحريره من كل قيود الجهل والتخلف والرعب والسلطة الغاشمة، وهذه هي المعركة التي قررت أن أخوض غمارها اليوم في سوريا الجديدة بأقصى ما آتاني الله تعالى من قدرات وإمكانات مادية ومعنوية.
اسمي هو محمد الأطرش، حلبيّ مجنون يملك عقلاً متخماً بالأفكار والأحلام! ربما عشت معظم حياتي مغموراً مدفوناً أسيراً لعشرات القيود، إلا أنني آمل – أو أرجو – أن تسمعوا اسمي أوتروه يتردد في الفترة القادمة، ويا لها من فترة قادمة!
الصورة عمرها 8 سنوات عندما كنت موظفاً في الحكومة السورية المؤقتة بغازي عنتاب.
تعليقات