top of page
بحث
  • صورة الكاتبمحمد حسن أطرش

اعتزل ما يؤذيك!

تاريخ التحديث: ٢٦ يوليو ٢٠٢٣


اعتزل ما يؤذيك

يقول عمر الفاروق رضي الله عنه: اعتزل ما يؤذيك.

أجواء منصات التواصل اللاإجتماعي باتت في الآونة الأخيرة بيئة سامة بكل ما تحمله الكلمة من معنى! ولست أتحدث هنا عن جدلية العبثية وضياع الوقت والهبوط والاسفاف وكل تلك الصفات التي باتت أمراً مفروغاً منه كلما نوقش موضوع تلك المنصات بشكل عقلاني رصين ... إنما السمّ والإيذاء الذي اتحدث عنه هنا اليوم هو ذلك الأذى والضرر الذي تتعرض له مرغماً وأنت مدرك تمام الإدراك أنه أذى، وأنك تكرهه بشدة ولا تطيقه، ومع ذلك تتجرعه وتتحمل آلامه وأذاه تباعاً ودون هوادة! دعني أشبه الأمر لك بالعامل الذي يقف على فوهه فرن عالي الحرارة ... هو يدرك أن تلك الحرارة مؤذية له، وأن كل الأدخنة المنبعثة من الفرن تفعل فعلها السام في جسده، ومع ذلك يتحمل هو كل هذا الأمر لأن هذا عمله، وهذا مورد رزقه ... لا أكثر ولا أقل.


نفس الأمر أعيشه منذ سنوات ... إذ أن طبيعة عملي تحتم وجودي الدائم على منصات التواصل اللاإجتماعي، وترغمني على متابعة كل سيول القرف والعبثية وغسيل الأدمغة الذي تمطرنا به تلك المنصات، سواءً من أفراد جهلة مراهقين، أو من جهات كبرى تتقصد غسل الأدمغة وتغييب الوعي وتجهيل الجماهير! أرى كل هذا السمّ الزعاف أمامي يومياً ... بل على مدار الساعة، وأكبت في قلبي كل الغيظ والقهر إزاء كل ما أراه من سخف وتجهيل وغباء.


لقد كانت أمنيتي منذ عقد كامل من الزمن أن (أعتزل ما يؤذيني) في كل حياتي، ولا شيء آذاني خلال الفترة الماضية أكثر من منصات الغباء الاجتماعي! حاولت مراراً ومراراً أن أتملص منها وأن أكون انتقائياً قدر الإمكان في متابعتها ... ولكن عبثاً، فطبيعة عملي كانت تجبرني على الدوام أن أتجرع من سمومها مالا أطيق.


إلا أنني في قرار حازم اتخذته خلال الأسبوع الماضي، أقوم منذ ثلاثة أيام بحملة لا رحمة فيها ولا شفقة إزاء وجود منصات التواصل اللاإجتماعي في حياتي وفكري وعملي! فكمية الجهل والتجهيل التي مرت أمامي خلال شهر أيار / مايو الماضي كانت غير معقولة ولا محتملة! وجسدي الذي ظن أنه قد تعود تجرع سموم تلك المنصات لم يستطع أبداً أن يتحمل ما عاناه خلال شهر أيار (وياله من شهر) وعليه كان لزاماً – رفقاً بقلبي وأعصابي وشراييني التاجيّة – أن أقوم بحملة تنظيف لا تبقي ولا تذر.


ألغيت متابعتي – بل وحتى حظرت – عدداً هائلاً من الصفحات والحسابات على مختلف المنصات ... صفحات وحسابات كنت أظنها على شيء من التعقل والحكمة والحيادية، وهذا ما كنت مخدوعاً به للأسف! حسابات وصفحات لن اسمح لها بأن تشتري عقلي وفكري وصوتي بثمن بخس ... ولن اسمح لها بأن تجعلني مجرد رقم في القطيع الذي يتابعها!


ومادام فكري وصوتي مكبّل بألف قيد وقيد، ومادام كتبة التقارير (أسفل خلق الله) متحفزون لي ولغيري إزاء أدنى صرخة، ومادام الجهل والظلام وعبادة الأصنام هم قواعد اللعبة ... مادام الأمر كله كذلك، فأضعف الايمان أن اعتزل وأقاطع تلك المزابل الفكرية ومنصات التدجين والتعليب والتجنيد التي تصدح أبواقها بكل هذا الأذى.


والآن Unfollow و Block ... غير مأسوف عليكم!

١١ مشاهدة٠ تعليق

أحدث منشورات

عرض الكل
bottom of page