top of page
بحث
  • صورة الكاتبمحمد حسن أطرش

خواطر فلسطينية


فلسطينية

القضية الفلسطينية قضية عادلة بلا شك، ولكن لكثرة ما تم تحميله على هذه القضية من كذب ونفاق وإجرام وطغيان طوال 80 عاماً مضت ... فقدت تلك القضية عدالتها، وبات الانسان العربي الحر الواعي بحاجة إلى الكثير من الصبر والحياد والهدوء ليستعيد ايمانه بها (أتحدث عن نفسي كبداية).


اسرائيل ليست دولة شرعية اعتماداً على عشرات العوامل التاريخية والقانونية والاجتماعية والسياسية، وحتى لو سلّمنا بوجودها كدولة تحت ضغط الأمر الواقع والتقادم التاريخي، فما فعلته منذ تأسيسها حتى يومنا هذا من عدوان على محيطها وتهديد لجوارها ومصادرة لمعظم حقوق المكون الأساسي الذي يعيش على أرضها (أي العرب) ... كل هذا كاف وفق كل الشرائع الدولية لاعتبارها دولة مارقة يقودها مجرمو حرب.


الانحياز الغربي الأعمى للجانب الاسرائيلي مقرف ومقزز بكل ما تحمله الكلمة من معنى! وهو دليل صارخ على زيف كل الشعارات الانسانية الفارغة التي يتشدق بها هذا الغرب (المتنور المتحضر). طبعاً هذا الانحياز له أسبابه السياسية والاقتصادية والتاريخية الشديدة التعقيد، وهو ليس عسيراً على الفهم، إلا أنه يبقى – وسيبقى – وصمة عار في جبين كل ساسة الغرب وإعلامييه وأكاديمييه.


اسرائيل مجرمة بكل ما تحمله الكلمة من معنى، ولكن اجرامها لا يتعدى واحد بالمئة من اجرام بعض الأنظمة العربية التي عرّاها الربيع العربي وكشف اجرامها بحق شعوبها أمام العالم أجمع. وهذا ليس كلاماً مرسلاً ولا خطاباً دوغمائياً ولا مزايدة عشوائية ... وإنما كلام تدعمه الأرقام (قارن فقط بين ضحايا اسرائيل منذ 80 عاماً حتى يومنا هذا، وبين ضحايا نظام الأسد خلال أول سبع سنوات من عمر الانتفاضة السورية، وستعرف جيداً عن أي فارق مهول أتحدث، وسترى أن اسرائيل مجرد طفل يلهو إذا ما قارنتها بغيرها من أكابر المجرمين).


أكبر كذبة عاشتها الأمة العربية خلال نصف قرن مضى هي (المقاومة والممانعة)! كذبة سوداء شنيعة سواء من حيث مضمونها العقدي ومنطلقاتها النظرية وشعاراتها الطنانة الرنانة الفارغة، أو من حيث الجهات التي تتبنى هذه الكذبة وحقيقة نواياها وممارساتها على أرض الواقع. من لايزال من شعوبنا العربية والاسلامية منقاداً وراء هذه الكذبة ينقسمون عموماً إلى قسمين: قسم المنافقين وتجار القضايا من سياسيين وإعلاميين ومنتفعين، وقسم السذج ومغيبي الوعي (وهم الغالبية العظمى للأسف) الذين لا زالوا مصدقين إلى اليوم بأن هناك شيئاً اسمه (مقاومة).


لاشك بأن بعض المقاتلين تحت رايات (المقاومة) على اختلاف ألوانها وتوجهاتها هم رجال شرفاء صادقو النية، إلا أنهم – وبكل أسف – مجرد أدوات في أيادي الكهنة الكبار الذين يوجهون أكذوبة (المقاومة والممانعة) كيفما شاؤوا ليحصلوا بها مكاسب سياسية أو عقائدية أو اقتصادية. وعليه، لا يوجد أية فائدة حقيقية لجهود أولئك الشرفاء بل ولا يستطيعون أصلاً القيام بأي عمل شريف يصيب العدو في قلب مصالحه ويؤدي فعلاً لقلب الموازين وتغيير المعادلات.


المنصات والجهات الإعلامية التي تسمي القتلى الفلسطينيين فقط باسم (شهداء) ولا تسمي غيرهم من القتلى بهذا الاسم هي جهات منافقة حقيرة لا تمت لمهنية الإعلام بأية صلة (هذا أولاً)، وثانياً لا تمت للانسانية نفسها – التي تدعي الذود عنها - بأية صلة أيضاً!


من يعتقد بأن الدم الفلسطيني هو أطهر من الدم السوري أو العراقي أو السوداني، ومن يظن بأن الأرض الفلسطينية هي أطهر أو أكثر قدسية من الأرض السورية أو المصرية أو اليمنية ... من يظن أو يعتقد أو يروج لأي من ذلك، هو مجرم لا يقل إجراماً عن الاسرائيليين أنفسهم، أو هو أحمق غبي جاهل في أحسن الظروف!


أيّ منطق في العالم أو في تاريخ البشرية يبرر لكل طاغية أو مجرم أو مستبد أن يدعي نصرة الحق في مكان، ويقمع نفس الحق ويصادره في مكان آخر؟ ذلك الذباب الساذج الذي يهتف ليل نهار باسم قادة محور (المقاومة والممانعة) وبطولاتهم ومواقفهم (العظيمة) ... ألم يسأل نفسه يوماً ماذا فعل أولئك القادة بشعوبهم لما قامت تلك الشعوب مطالبة بالإصلاح والحرية؟ أم أن ذلك الذباب الساذج يبرر سفك دماء الكون كله لأجل (المقاومة والممانعة)؟ أي منطق هذا؟ أي غباء هذا؟ أية سفالة وحقارة هذه؟


الشعوب التي تدعي نصرة (المقاومة والممانعة) ضد اجرام اسرائيل بحق الشعب الفلسطيني، ثم ترفع صور طغاة مجرمين من أمثال بوتن وكيم جونونغ وبشار الأسد وقاسم سليماني على اعتبار أنهم أبطال مؤيدين لحقوق الشعوب ... تلك الشعوب تستحق (عن جدارة) أن تداس بأقدام الطغاة، وأن تتجرع الذل والهوان ليل نهار (وهذه ليست قسوة ... بل عدالة).


ماهذا الذي تفعله حماس في غزة؟ ماجدواه؟ ما أثره؟ ما فائدته؟ على أي مقياس يجب أن نقيسه لكي ندرك او نلمس أهميته؟ كل فعلته حماس منذ عشرين عاماً إلى يومنا هذا لا نتيجة له إلا أمرين اثنين لا ثالث لهما (ولا يمتان للنصر بأي صلة) : الأمر الأول تقوية النفوذ المادي والمعنوي لإيران في المنطقة (دون أي مكسب حقيقي للشعب الفلسطيني أو قضيته)، والأمر الثاني هو عشرات آلاف الضحايا من المدنيين الذين يسقطون بعد كل (مغامرة) تقوم بها حماس (بتعليمات من طهران طبعاً)! والنتيجة؟ مزيد من الدم، مزيد من شرعنة الممارسات الإسرائيلية بكل أنواعها، مزيد من التوغل الإيراني والمكاسب الإيرانية، ومزيد من السذج والمراهقين ومغيبي الوعي الذين لا يدرون أي شيء عن أي شيء يجري من حولهم ... ولا يجيدون إلا ترديد الشعارات الجوفاء واستجرار طريقة التفكير الحمقاء ذاتها التي برمجتنا عليها أنظمة (المقاومة والممانعة) طوال أربعة أجيال مضت.


ما فعلته حماس يوم السابع من أكتوبر سنة 2023 هو تصرف أحمق وأهوج بكل المقاييس ... شاء من شاء وأبى من أبى وأعترض من أعترض! نحتاج فقط إلى قليل من العقل والمنطق والعمليات الحسابية (البسيطة جداً) لنعرف حقاً كم أن هذا الكلام صحيح. أما الاستسلام للشعارات الفارغة وللخطاب الدوغمائي وللمنطق الشعبوي وللحشيش الفكري، فهو كاف لوصم كل من يتبنى هذا الكلام بالكفر والردة والخيانة والعمالة .... والتصهين!


كل ما تفعله جحافل المراهقين (وأعني هنا مراهقي الفكر لا المراهقين عمرياً) على منصات التواصل الاجتماعي من تضامن وصور وفيديوهات وشعارات ... كل ذلك هو مجرد حمق وغباء ومجهود لا طائل من وراءه إلا التفريغ الآني والصراخ في الوديان وقمم الجبال وفوق قبور الموتى! مجرد استجرار وتكرار لذات الشعارات الفارغة والمنطق الدوغمائي والفكر العبثي والدوران في ذات الدوامة التي ندور بها جميعاً منذ 80 عاماً إلى اليوم! هل يسمعنا العالم؟ هل يصل كل ذلك إلى صانعي القرار الحقيقيين؟ هل يتم توجيه اللوم إلى المجرم الحقيقي والطاغية الحقيقي؟ وهل يحاسب كل من تسبب بهذا الدم والخراب؟ بل وهل تعي شعوب العالم حقيقة ما يجري في منطقتنا منذ عشرات السنين إلى اليوم؟ الجواب هو بكل بساطة : لا.


اللعب والدندنة (بل والصراخ) على مبدأ أن هذه الأرض هي (أرض مغتصبة) وأن اسرائيل دولة لا وجود لها، وأن الاسرائيليين يجب (رميهم في البحر) وكل الممارسات بحقهم وضدهم (إلى حد سفك دمهم) هي ممارسات مشروعة ... كل هذه المبادئ باتت مبادئ باطلة وساذجة وحمقاء، وهي لاتزيدنا إلا تورطاً وإدانة أمام العالم والمجتمع الدولي! هذه حقيقة واقعة لا مفر منها! قبولها نضج ووعي، ورفضها حمق ومراهقة ... ومالم نغير طريقة تفكيرنا جميعاً تجاه القضية الفلسطينية ونلعب بقواعد الأمر الواقع والوضع الراهن، فسنصحو فعلاً يوماً لنجد أن أرض فلسطين لا يعيش عليها انسان عربي واحد، ولا تتردد فوق ثراها كلمة عربية واحدة.


اين كان ضمير تلك الشعوب الساذجة عندما قُتل مليون سوري وهُجّر عشرة ملايين منهم؟ أين كانت كل تلك المشاعر واللهفات والفزعات؟ أين كانت الحمية والغيرة؟ أين كانت الانسانية والدين والاخوة؟ أقسم بأن ماجرى لسوريا والسوريين تحت صمت كل غثاء السيل من تلك الشعوب العربية والاسلامية الخرساء الصماء البكماء لهو أكبر دليل على نفاقهم وزيف مشاعرهم تجاه أحداث فلسطين وقضيتها! إذ لقد تبرمجت تلك الشعوب البلهاء على استسهال التضامن مع فلسطين واستسهال الجعير لأجلها، وأن المجاهرة بالوقوف مع فلسطين أمر لا محاسبة عليه ولا تثريب، بينما الشجاعة كل الشجاعة، والمخاطرة كل المخاطرة، والوعي كل الوعي، في أن تعبر عن رأيك بما جرى ويجري في سوريا والعراق واليمن ... علماً بأن ما جرى في سوريا لوحدها أكثر هولاً واجراماً وفجائعية من كل ماجرى في فلسطين منذ 80 عاماً إلى اليوم!


إحدى الدول التي تزعم نصرتها للقضية الفلسطينية، وتعيش في أوهام زعامتها (المزعومة) للعالم الإسلامي، وتعيش في أحلامها الامبراطورية القومية المغلفة برداء الحمية للدين، ولا تكف عن بيع الحشيش الفكري لشعبها ولكل الشعوب المخدوعة بها ليل نهار ... هذه الدولة نفسها (التي تزعم نصرة فلسطين) تسوم اللاجئين على أرضها أشنع أنواع الاحتقار والمهانة، ولا يكف مواطنونها وسياسيوها وإعلاميوها عن التعبير عن كراهيتهم للعرب وللعروبة في كل غدوة وروحة، بل والأدهى من كل ذلك، يتاجر سياسيوها بالقضايا العربية والإسلامية (وعلى رأسها قضية فلسطين) في كل بازارات السياسة والمصالح، ويلعبون على الحبال مع كل الجهات بلا استثناء معتبرين ذلك شطارة وحنكة ... كل ذلك بينما علم اسرائيل يرفرف في قلب عاصمتهم، والاتفاقيات الاقتصادية لا تتوقف – ولا للحظة واحدة ووفق أعلى المستويات – بينهم وبين تل أبيب! فتخيل يرعاك الله ... وعلى ذلك فقس! (ملاحظة: هذه الدولة هي إله ومعبود كل جماعات الاسلام السياسي في العالم! فتخيل أيضاً أي مستنقع فكري هذا الذي نعيشه، وتخيل أي تيه هذا الذي يتخبط فيه أنصار القضية).


هذا ما يجب أن نتعلمه من اسرائيل (سواءً أعجبكم ذلك أم لم يعجبكم): يعملون بصمت - أفعال لا أقوال - التفكير الموضوعي البراغماتي بعيداً عن العواطف والشعارات والبروباغندا والدوغمائيات - لا يكذبون إلا نادراً (الكذب اختراع روسي ايراني ويطبقه كل من يتحالف معهما) - تحشيد المجهود الاعلامي غربياً – يلعبون دائماً على وتر المظلومية والهولوكست ومعاداة السامية.


إذا كان تحرير فلسطين سيكون على أيادي رجال من أمثال قاسم سليماني وبشار الأسد وحسن نصر اللات وعبد الملك الحوثي وفلاديمير بوتن ورمضان قاديروف وكيم جونغ أون ... فلا مرحباً بهذا التحرير ولا نريده! أية بلاهة بشرية وأي انحطاط اخلاقي هذا الذي يدعو الغوغاء والمراهقين ومغيبي الوعي لاستبدال مجرم بمجرم، أو تأييد طاغية على حساب طاغية آخر؟ لو كان هولاكو (سفاح الدولة المغولية) هو من حرر فلسطين من أيادي الصليبيين في القرن الحادي عشر ... هل كنتم ستحبونه وستجعلون منه بطل الأبطال؟ ماهذا المنطق السقيم!


أكبر خديعة تم تنفيذها (بكل دقة) في الخمسين سنة الماضية من عمر البشرية هي (تبني ودعم إيران للقضية الفلسطينية)! خديعة لم تنفذها إيران لوحدها بكل تأكيد، بل تواطئ العالم أجمع على تنفيذها والسير فيها لا لشيء إلا لطمس هذه القضية وتمييعها وتلطيخها بكل القذارات التي يمكن أن تخطر على بال الأحرار والعقلاء والشرفاء ... أما الغوغاء والمراهقون والجهلة ومغيبو الوعي ومطموسو البصيرة، فهم يعبدون إيران ويقدسون بحمدها وحمد كل أذيالها وأذنابها ... ويستمر التصفيق والتهليل لكل ما يجري اليوم على أرض فلسطين وماحولها من مهازل باسم (المقاومة)، وتستمر الخدعة الكبرى بكل نجاح.


يقولون بأن إيران وحزب اللات قد خدعوا حماس وغدروا بها في تلك المهزلة المسماة باسم (طوفان الأقصى)! وأنا أقول بأن هذا الكلام مجرد كذب وضحك على الغافلين وحشيش للاستهلاك الجماهيري السريع! قناعتي الراسخة بأن حماس قد باتت جزءاً لا يتجزأ من محور (القمامة) المزعوم الذي يريد تخريب كل الأمة العربية والإسلامية عن بكرة أبيها، وفي سبيلهم لهذا لم يعد لقيادة حماس أي ارتباط بالقضية الفلسطينية، ولم تعد تلك القيادة تأبه لمصير فلسطين والفلسطينيين عدا عن مصير أهل غزة أنفسهم، والذين تغامر بهم حماس في كل حماقة ترتكبها، فلا نرى إلا الدمار والدم والضحايا، ولا نسمع إلا عن انتصارات خلبية وحشيش إعلامي لا أكثر! أما لو كان هذا القول (أن إيران وحلفاءها قد خدعوا حماس فعلاً) هادفاً للتبرير لحماس ويحاول اظهار حماس بمظهر الحمل الوديع والبطل الشهيد، فهو دليل دامغ على غباء قيادة حماس أولاً، وثانياً هو سبب وجيه وقوي جداً لتقتنع حماس بكذب إيران ومحور (القمامة) وتقطع علاقتها بهم نهائياً! ومالم تفعل ذلك، فالحجة قد قامت عليها بشكل دامغ أمام محكمة التاريخ والدين والأخلاق ... ومرة أخرى يجب على حماس أن تختار بين الطهارة الحقيقية للمقاومة الحقيقية، وبين أن تلوث تلك الطهارة برجس ملالي إيران ومؤامراتهم القذرة ضد كل الأمة العربية.


أحداث غزة الأليمة أتت لتعري وتفضح محور "القمامة" عن بكرة أبيه ... نقطة انتهى. ولا داعي لأي نقاش أو كلام أو تبرير أو تحليل، ولا داعي لكل مسرحيات الفتيش وغزوات عواميد الكهرباء، والجعير والنهيق والمزاودات الفارغة ... فقد شبعنا منها. كان الله بعون أهلنا في غزة.





٢٦ مشاهدة٠ تعليق

أحدث منشورات

عرض الكل
bottom of page