الميزان المكسور
- محمد حسن أطرش
- 20 يونيو
- 4 دقيقة قراءة

حتى هذه اللحظة، وبينما يحكم الإسرائيليون سيطرتهم الكاملة على الأجواء الإيرانية، ويصطادون رؤوس النظام رأساً رأساً، ويدكون كل مفاصل القوة لدى الإيرانيين، وينشرون الرعب في طول إيران وعرضها، ويجلون الملايين عن المدن الكبرى ... لم نر بالمقابل من الطرف الآخر سوى التهديد والوعيد والبروباغاندا الشعبوية الرخيصة، مع عجز كامل عن حماية البلاد وتخبط واضح في القرار والتصرفات، ومعالم إفلاس واضح على كل الأصعدة لدى هذا النظام القميء الذي أثبت – بعد كل هذه السنين من البلطجة – أنه مجرد قطّ من ورق!
طبعاً ليس لديهم إلا صواريخهم المتخلفة ومسيّراتهم البدائية التي أثبتت فشلها الساحق على كل الصعد! فلا هي استطاعت تشكيل معادلة ردع مع الإسرائيليين، ولا تمكنت من إحداث ضرر واضح ومفصلي وجذري لدى العدو، ولا حتى أحدثت رعباً ملموساً لدى المدنيين الإسرائيليين بما يدفعهم للنزوح بالملايين من مدنهم. ناهيك عن أن ذخيرتهم من الصواريخ والمسيرات محدودة أصلاً، وطبعاً حدث ولا حرج عن طريقة اصطيادها وايقافها من طرف الإسرائيليين بكفاءة تامة (حتى وإن سمحوا بعبور بعضها نحو أهداف محددة فقط لكي يكسبوا التعاطف الدولي المطلوب، والذي تجيد إسرائيل ابتزاز العالم بواسطته منذ فجر التاريخ).
كل هذا، وقطعان المراهقين والمغيبين والسذج وعشاق الحشيش الفكري وعبيد أصنام الشعارات الجوفاء يهللون ويصرخون كلما سقط صاروخ في تل أبيب ... صاروخ بالكاد يحطم سيارة أو يدمر واجهة مبنى او يجرح شخصاً أو شخصين، ويعتبرون الأمر فتحاً مبيناً ونصراً يشفي صدور المؤمنين! بينما يعمل الإسرائيليون بكل صمت وهدوء وثقة وفق خطتهم المرسومة، ويحولون إيران من أقصاها إلى أقصاها لجحيم مقيم، تقريباً دون أي خسائر في طرفهم.
صورة مؤلمة ... أليس كذلك؟ وبالتأكيد أنا الآن في نظر الذباب والمراهقين وعديمي الوعي مجرد متصهين آخر متعاطف مع (الكيان) ويدافع عنه باستماتة!!
أتعرفون أين تكمن المشكلة ... أو المشاكل كلها؟
بادئ ذي بدء ... مشكلة هذا القطيع الهائل من أغنام الحشيش الفكري والجهل وتغييب الوعي هي أنهم يجعرون ويصرخون ويزاودون مجاناً! دون ان يدفعوا أي ثمن لا الآن ولا في الماضي ولا في المستقبل لقاء هذا الصنم الذي يعبدونه منذ 80 عاماً، والمسمى بـ (القضية الفلسطينية) ونظيره اللازم والحتمي للعداء مع إسرائيل! هذا المراهق المسكين الذي يزاود علينا في كل روحة وغدوة باسم فلسطين ومعاداة (الكيان) يفعل كل هذا وهو مضطجع على أريكته في منزله آمناً مرتاح البال ... مفلساً من كل هدف او قضية حقيقية في حياته، وغارق حتى النخاع في فقره وتخلفه وجهله، بحيث لا شيء يتسلى به ويشعره بأنه (بني آدم) إلا تلك القضية التي يعبدها ويسبح بحمدها، ويظن نفسه بطل الأبطال وسيد الشهداء لأنه يدعمها بسبابه وشتمه وسخريته الفارغة وبكائياته المشلّخة على السوشال ميديا.
هذا المسكين ... لا يرى الحرب اليوم إلا من زاوية واحدة، ولا يقيس الأمور – بتفكيره المحدود أصلاً – إلا بالمقياس الذي يريحه ويمده بالحشيش الفكري الذي يدمنه ويعشقه!
هذا المخلوق لم يذق شيئاً من إجرام النظام الإيراني وأفاعيله الشنيعة طوال العشرين عاماً الماضية بحق الأمة العربية وشعوبها ... تلك الأفاعيل التي لم تفعلها إسرائيل طوال ثمانين عاماً، بل وحتى لم تفعل ربعها! هذا الكائن المسكين لا يمكن أن تناقشه بمقاييس السياسة، والتفكير الاستراتيجي، والخطر العقائدي والاجتماعي، وتأصيل الأحقاد التاريخية والاثنية ... لكي يعرف في النهاية كيف يوازن حقاً وفعلاً بين هذين الطرفين المتحاربين.
أما أنا كانسان سوريّ تدمرت بلاده وقتل مليون انسان من شعبه وتشرد عشرة ملايين آخرين بسبب طرف واحد فقط اسمه (النظام الإيراني) ... فلا أرى اليوم في هذه المعركة الدائرة إلا صراعاً بين وحشين ضاريين مؤذيين كلاهما أكثر شراً من الآخر، لا وبل أقولها بكل صراحة: أكون سعيداً أكثر إذا رأيت نظام طهران يتألم ويعاني ويوشك على السقوط، ولا يهمني في ذلك أكان الطرف الذي يضربه هو إسرائيل أم شياطين الجحيم بذاتها!!
خطر ايران ... أم خطر اسرائيل؟
رأيي الذي يشاركني فيه كل العقلاء والأحرار ومحطمو الأصنام وكارهوها ... هو أن الخطر الإيراني أكبر وأعظم وأكثر كارثية من الخطر الإسرائيلي، وأن هذا النظام اللعين الذي يحكم طهران منذ نصف قرن تقريباً يجب أن يسقط وينتهي بأي طريقة ومهما كان الثمن، حتى ولو كان من سيسقطه هو إسرائيل التي هي عدو بكل تأكيد ... وكارهة للعرب والمسلمين بكل تأكيد ... ولها أطماعها وأهدافها في المنطقة كلها بكل تأكيد ... إلا أن رأيي الذي لم أعد مستعداً أبداً للتخلي عنه هو أن الخطر الإسرائيلي يمكن التفاهم معه، ويمكن احتواءه والحد منه بقليل من الوعي ... وكثير من العلم ... وإرادة حقيقية لتطهير وجدان الجماهير من أصنام مقيتة وشعارات فارغة وقضايا خاسرة جعلتنا في آخر طابور كل أمم الأرض، وتركتنا في جهل وفقر وتخلف لقرن من الزمان.
أما على الجهة المقابلة، فالخطر الإيراني غول مقيت شرس محمل بكل أحقاد الأرض الطائفية والقومية والتاريخية ضد أمتنا ... خطر لا يمكن التفاهم معه، ولا احتواءه، ولا التعايش معه ... لأنه لن يهدأ ولن يستكين حتى يحقق واحداً من أمرين: إما أن يسيطر على كامل العالم العربي تحت سلطته وإرادته، وإما ان يحيله دماراً وخراباً وأنهاراً من دم!
نعم ... كل من الإسرائيلي والإيراني عدو ... وعدو خطر ... إلا أن كل مقاييس العقل والمنطق والوعي تدعونا ليكون الإيراني في رأس قائمة الأعداء، وأن يكون زواله وسقوطه هو الهدف الأولى والأسمى ... أما التعامل مع الإسرائيلي بعد ذلك فله أكثر من وسيلة وطريقة معظمها ستكون خالية من الدم والدمار، وهذا حديث أخر له أوانه.
وطبعاً في نهاية المطاف ... هذا كلام لا يعجب عبيد الأصنام وعشاق الشعارات ومدمني الحشيش الفكري وعديمي الوعي، بل ويرقى إلى مرتبة الكفر البواح بالنسبة إليهم، ولربما اخرجوني من الملة وجعلوني مرتداً وأحلوا دمي، هذا بعد أن يصبوا على رأسي سيول قلة أدبهم وسفالتهم الأخلاقية القميئة!
على كل حال اتجاه التاريخ واضح إلى أين يسير ... ونظام ملالي ايران في طريقه للسقوط المدوي ان عاجلاً أم آجلاً، بما يعني أن أكبر مورد للحشيش الفكري الذي يدمنه أولئك المساكين في طريقه للزوال، وهذا على الأقل يعطينا أملاً بسيطاً بأن هذه الأمة قد تخرج يوماً ما من تيهها، وأن هذه الجماهير البلهاء قد تصحو يوماً من سكرة غفلتها وظلامة جهلها ... وحتى يأتي هذا اليوم سنبقى – أنا وأمثالي – ثابتين راسخين على مواقفنا، مستمرين في تحطيم أصنام الغوغاء، وتمزيق شعارات عشاق الحشيش الفكري، ومجابهة كل هذه السيول العارمة من الجهل والغباء والانحطاط ... ولعمري والله بأن هذه هي الشجاعة الحقيقية في هذا الزمن، وهذا هو الموقف النبيل بعينه.
تعليقات