top of page
بحث
  • صورة الكاتبمحمد حسن أطرش

البودكاست .... والمحطة رقم 963

تاريخ التحديث: ٢٦ يوليو ٢٠٢٣


البودكاست

تسمح الإذاعة بخلق مناخ حميمي مع المستمع أكثر من أي وسيلة تواصل أخرى. وكان قد انتبه إلى ذلك الرئيس الأمريكي "فرانكلن روزفلت" منذ عام 1930، عندما بث عبر موجات الإذاعة برنامج "دردشات حذو المدفأة". واستمرت الإذاعة في تأدية رسالتها الحميمة مع المستمعين في كل أرجاء العالم منذ ذاك الوقت إلى يومنا هذا. إلا أنها تراجعت كثيراً مع دخول الوسائط المرئية إلى حياة الانسان المعاصر، بدءاً بالسينما فالتلفاز، فثورة المعلومات والاتصالات وانتشار منصات التواصل والأجهزة الذكية. هنا يظهر البودكاست على حين غرة، ليعيد الإرث الحميم للصوت، وليجد لهذا الصوت نفسه مكاناً مرموقاً ومتفوقاً في العالم الرقمي، مجدداً تلم العروة الوثقى فيما بين المذيع والمستمع.


تعود نشأة البودكاست إلى سنة 2004: آنذاك، كان الأمر يتمثّل فقط في ابتكار تكنولوجي يسمح للمحطات الإذاعية ببثّ برامجها بشكل غير مباشر. فكان بإمكانها نشر البودكاست على الإنترنت، وبإمكان المستَمعين تحميلها حسب ما يُناسبهم. ومصطلح «بودكاست» هو إدغام لاتينيّ بين كلمتين اثنتين هما «آيبود» (المشغل المحمول الذي اخترعته شركة آبل الأمريكية والذي يسمح للمستخدمين بتنزيل الملفات الصوتية) وبرودكاست (التي تعني «البث» باللغة الإنجليزية). وعبارة «بودكاست» التي اخترعها الصحفي بن هامرسلاي من صحيفة الغارديان، هي مصطلح يعكس هذه الخصائص.


وكان لحصول تغيير تكنولوجي وآخر ثقافي وقع أساسي في ازدهار البودكاست. أولهما سنة 2012 لما قامت آبل بإدراج تطبيقة بودكاست أصلية في هاتفها الذكي تسمح بالوصول إلى البرامج المفضلة لدى المستمعين. وثانيهما سنة 2014 عندما أطلق فريق إذاعي أمريكي مستقل برنامج (سيريال)، وهو برنامج صحافة استقصائية عبر الإنترنت. ومنذ ذلك الحين، نقرة واحدة أصبحت كافية للاستماع إلى بودكاست، على جهاز محمول.


وقد اكتشفت سارة كونيغ (وهي المعدة الرئيسية في البرنامج) طريقة جديدة لاستغلال سلطة الصوت. إن أسلوب سيريال لا يُشبه أي أسلوب سمعناه في الإذاعة إلى حد ذلك الحين. كانت سارة كونيغ تُخاطب مستمعيها وكأنهم رفاقها في رحلة البحث عن الحقيقة، وهو ما أثار نقاشات حيّة في الشبكات الاجتماعية. ومن ناحية أخرى، كانت الحلقات تتبع خطّا سرديّا طبيعيّا دون التقيد بجدول زمني، وكان طول الحلقة يتغيّر حسب الضرورة. وقد نال سيريال في الحين نجاحا كبيرا إذ سجّل خمسة ملايين تحميلا خلال الشهر الأول. ثمّ تبعه عدد لا يُحصى من البودكاست حول مواضيع متنوعة.


ومنذ ذلك الحين، تطوّر هذا الأسلوب في أشكال عديدة. وقد شهد بودكاست التحادث حيث يرتجل الضيوف تدخّلاتهم حول موضوع ما، انتشارا سريعا. ذلك أنه غير مُكلف، ولا يتطلب إلا انسجاما جيدا بين المتدخّلين وموضوعا يشد اهتمام المستمعين. من بين الأشكال الأخرى المنتشرة، ذلك الذي يتولّى فيه الصحفيّون تشريح أحداث الأسبوع بنبرة غير رسمية متعمدة، ممّا يجعل المستمعين يشعرون بأنهم «أطراف فاعلة» في صلب البودكاست.


وسرعان ما أدركت الصحافة المكتوبة الفائدة من استغلال البودكاست للوصول إلى جمهور أوسع. وفي سنة 2017، أطلقت النيويورك تايمز برنامج ذا دايلي الذي «يروي الأحداث كما ينبغي» على حد تعبيرهم. ويعتمد هذا البرنامج الذي يُقدمه الصحافي مايكل باربارو على صيغة بسيطة تتمثّل في اختيار حدث أو حدثين من أهم أحداث اليوم، والاستفادة من خبرة فريق النيويورك تايمز المتكون من 1300 صحفي لتقديم وجهة نظر مطّلعة، بنبرة غير رسمية وشخصية، وبالخصوص مصحوبة بإنتاج صوتي مُبتكر. فكانت النتائج فورية: اشترك الشباب بأعداد كبيرة (مجانًا)، وفي غضون سنتين، سجّل ذا دايلي مليوني تنزيل بالبودكاست. وفي سبتمبر 2019 ، اجتاز البرنامج عقبة مُذهلة بتحقيق مليار عملية تنزيل.


وإن كانت لحد الآن الولايات المتحدة والعالم الناطق باللغة الإنجليزية هم المسيطرين على سوق البودكاست، إلا أن الأمور تبدو في طور التغيّر. ففي مارس 2019، ذكرت شركة فوكسناست المختصّة في تقنيات الصوت، أن أهم تطوّر في عدد مستمعي البودكاست تم تسجيله في أمريكا اللاتينية، وخاصة في الشيلي والأرجنتين والبيرو والمكسيك. وفي نفس الوقت، شهد البودكاست تطوّرا حثيثا في الهند عبر شبكات البودكاست الكبيرة، أما في العالم العربي فقد كان للشباب المثقفين في كل من لبنان والأردن والسعودية تجارب رائعة ورائدة في مجال البودكاست، ولحقت بهم بعد ذلك مصر والكويت، مع تجارب خجولة في دول المغرب العربي.

وبالفعل، يمكن أن يكون البودكاست أداة رائعة للإندماج. ويتطلب إنشاء بودكاست قادر على جلب اهتمام المستمعين، الإلمام بالجوانب العملية للإنتاج الصوتي ومعرفة طريقة عمل وسائل الاتصال السمعي. وبمجرد اكتساب هذه المعارف، يمكن لأي شخص تقريبًا إنشاء بودكاست، وهو ما يسمح للمجموعات المهمشة بتبليغ أصواتهم، أو إيصال أية رسالة فكرية أو مجتمعية أو سياسية إلى أكبر شريحة ممكنة، وبتكاليف ومجهودات غاية في البساطة.


أصبح المتلقّي يستمع إلى البودكاست بمفرده، غالبا باستعمال سماعات الرأس أو السماعات الفردية، أو أثناء قيادة السيارة. وهو ما يسمح بمخاطبة المستمعين «بالهمس في آذانهم». ومن جهة أخرى، المستمع هو الذي يختار بنفسه المادّة الإعلامية. وعلى عكس المذيع الإذاعي أو التفزيوني الذي يضطر إلى بذل كل الجهد ليُثني المستمع عن الانتقال إلى مادة أخرى، فإن منتج البودكاست مُتأكّد من أن المُتلقّي يرغب في الاستماع إليه، ممّا يسمح له بأن يكون هادئا وصادقا، كما يسمح لجمهوره بالتعاطف معه أكثر. كما أن إن اكتشاف بودكاست جديد أصبح لدى البعض شبيها بصداقة جديدة، وهو ما يُمثّل عددا هائلا من الأصدقاء بالنظر إلى الـ 700.000 بودكاست المتوفّرة في آيتونس التابعة للعملاق آبل، أكبر منصة في هذا القطاع.


ولكن ماذا عنا ؟ ماذا عنا نحن كسوريين حل بنا ما حل وعشنا ما عشناه وتفرقنا في كل أرجاء المعمورة؟ أين موقعنا من البودكاست؟ وإلى أي حد اخترقنا هذا الفضاء الوسيع البكر الزاخر بالفرص ؟ للأسف .. لايزال البودكاست السوري طفلاً صغيراً ربما لم يصل إلى مرحلة الحبو أصلاً ! ولازالت النخب المثقفة السورية والشباب السوريون عازفون بالمجمل عن دخول هذا العالم ... سواءً بالانتاج أو حتى الاستماع! وهذا ما علينا أن نضع حداً له ... فلم لا؟ ما دام البودكاست يحوي لنا – كسوريين – حلولاً خلاقة لا نهاية لها؟

مادام صوتك مسموعاً .... مادام يصل للجميع ... فأنت موجود، وأنت حيّ، وأنت قادر على التغيير! فتخيل إذاً مادام هذا الصوت واصلاً من مكان يحمل الرقم 963 ! هل يذكرك هذا الرقم بشيء ما؟ هل يثير فيك حنيناً ما؟ هل عشت هذا الرقم وعرفت ماذا تعني اختلاجة قبلك عند مرآه أو سماعه؟ هل جربت قبل اليوم أن تتصل او تتراسل مع رقم هاتف سوريّ؟ إذاً فأنت تعرف جيداً ما نتحدث عنه.


محطة 963 هو مشروع التدوين الصوتي (أو البودكاست إن شئتم) المعني بإيصال صوت الشباب السوري والمفكرين السوريين إلى العالم أجمع! بعد أن غاب هذا الصوت الأصيل كثيراً في زحمة الصراعات وسواد المصالح وضحالة التفاهات. وأي شيء سيكون أفضل وأسرع وأسهل من وصول الصوت؟ احمل كل أفكارك على بساط الصوت السحري، وأطلقها في الفضاء ليسمعك الجميع.


لماذا التدوين الصوتي؟ التدوين الصوتي أو البث الصوتي أو البودكاست هو أحد وسائط الإعلام الجديد الرقمي، وهو استخدام سلسلة وسائط متعددة أو حلقات صوتية، يمكن الاشتراك بها أو متابعتها بحيث يتم تبليغ المشترك عند نشر أي تحديث، ويمكن للمشترك تحميل الحلقة والاستماع لها أو مشاهدتها بدون الاتصال بالإنترنت، كما يمكنه المتابعة والاستماع مباشرة بدون تحميل الحلقة، حيث يسمى كل ملف في البودكاست (حلقة)، ويمكن تخزينها في جهاز الحاسب الشخصي أو الهاتف، ومن ثم نقلها إلى أي مشغل وسائط والاستماع إليها في أي وقت دون الحاجة للاتصال بالإنترنت، كما بات البودكاست واحداً من أهم عناصر الدعاية وانتاج المحتوى.


سيعمل مشروع (محطة 963) على إمداد الفضاء الرقمي بمحتوى صوتي غني وفريد، من خلال فتح المجال أمام الشباب والمفكرين السوريين والعرب لإطلاق أفكارهم والتعبير عنها وإيصالها للعالم، بل وفتح المجال للتفاعل بينها وبين الأفكار الأخرى في كل مكان.


هناك صوت فريد قادم، وبقوة! إنه الصوت الآتي من محطة 963 ... ونستطيع أن نؤكد لكم، بأن لا صوت يشبهه في أي مكان من هذا العالم! لا افتراضياً، ولا واقعياً، ولا حتى في خيال أي مجتمع آخر.

٢١ مشاهدة٠ تعليق

أحدث منشورات

عرض الكل
bottom of page